تأجيل الاستشارات يصعّد التوتر بين الكتل النيابية
دخل لبنان أسبوعاً جديداُ من التعطيل في زمن الانهيار، بعدما عمل ثنائي القوّات-التيار على بعثرة الشرعية الميثاقية لتسمية سعد الحريري رئيساً للحكومة. وأمام اللّبنانيين أسبوعاً إضافية من اللّعب على أعصاب الأزمة المستفحلة سياسياً واقتصادياً ومعيشياً. وحتى الآن لا جديد في أفق تشكيل الحكومة بعد قرار تأجيل الاستشارات النيابية.
كاد الحريري أن يكون رئيساً مكلفاً اليوم إلّا أنّ هناك من انزعج تحسساً من تجارب الحريري الحكومية وقرّر العمل على تأجيل الاستشارات خصوصاً بعد سقوط ما يسمى “الميثاقية المسيحية” وكأنّ الدستور أصبح غب الطلب”، يقول مصدر نيابي.
كانت التقديرات تشير إلى أنّ الحريري سيحصل على أكثر من 60 في المئة من أصوات الكتل النيابية خلال الاستشارات. لكن لم تجرِ الرياح وفقاً لما تشتهي سفن التيار الوطني الحر والقوات اللّبنانية فجرت اتصالات مكثفة في بعبدا لحثّ الرئيس على تأجيل الاستشارات وهكذا كان… طارت أسبوعاً كاملاً.
لو سارت الاستشارات في موعدها على ما يرام، كان الحريري سيُسمّى رئيساً للحكومة بأكثرية تتجاوز الـ”70 صوتا” على النحو الآتي: كتلة تيار المستقبل (20 نائباً)، كتلة المقاومة والتحرير برئاسة الرئيس نبيه بري (17 نائباً)، كتلة الوفاء للمقاومة (14 نائباً)، كتلة المردة (5 نواب)، اللّقاء الديموقراطي (7 نواب)، الكتلة القومية (3 نواب)، كتلة الطاشناق (3 نواب)، كتلة الرئيس نجيب ميقاتي (4 نواب)، اللّقاء التشاوري (3 نواب) إضافة الى نواب مستقلين.
بالنسبة إلى تيار المستقبل كان واضحاً أن النائب جبران باسيل لن يسهّل التوافق على الحريري وبحسب مصدر في المستقبل “يتصرّف باسيل بطريقة شخصية كيدية لأن الحريري لم يتواصل معه شخصياً ضمن المشاورات التي يجريها”. وهو أي باسيل بحسب المصدر “لا يستسيغ ما شاع عن تفاهم ثلاثي بين الحريري وثنائي أمل وحزب الله على تركيبة الحكومة، التي ستضم اختصاصيين برئاسة الحريري”.
مشهد التأجيل شهدناه في كانون الأوّل من العام الماضي، يوم أعلن الرئيس ميشال عون تجاوبه مع طلب رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري تأجيل الاستشارات النيابية لمزيد من التشاور في تشكيل الحكومة. وتأجّلت الاستشارات سابقاً في عهد الرئيس ميشال سليمان فأتى ميقاتي بعكس إرادة الحريري، فهل تأجيلها اليوم يكون للإتيان برئيس مكلّف آخر؟ ما العمل إذا ما بقيت المواقف السياسية على حالها لغاية الخميس المقبل؟
التأجيل الرئاسي للاستشارات، جلب المزيد من التوتر والقلق بين الكتل النيابية وهذا ما ظهر حتى الساعة في مواقف مصادر الرئيس نبيه بري، النائب طوني فرنجية والمسؤول الإعلامي في الحزب التقدمي الاشتراكي رامي الريس.
الرئيس بري رفض التأجيل ولو ليوم واحد بحسب مصادره، وكرّر رئيس تيار المردة النائب السابق سليمان فرنجيه ما أعلنه نجله النائب طوني فرنجية في تغريدة على حسابه عبر “تويتر”، “البلد منهار والشعب بطل يحمل تأجيل، حرام”. وأكد فرنجية أن “تأجيل الاستشارات حرام” في ظل الظروف التي يعيشها اللّبنانيون”. وقال “الأسبوع المقبل لناظره لَقَريب”.
نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي الذي فوجئ بتأجيل الاستشارات بعد أن سادت الأجواء الإيجابية، نفى علمه بما جرى في كواليس الساعات الأخيرة ليُصار إلى التأجيل ولا يعلم خلفياته لكنه توقّع “أن تتم الاستشارات الخميس المقبل وأن يحافظ الرئيس سعد الحريري على تأييد الأكثرية”.
محيط النائب جبران باسيل يكتفي حتى الآن بما عبّر عنه رئيس التيار عبر منصة “تويتر” بقوله “لكل من يتفلسف ويتكهّن ويراهن: مع احترامنا لقرار رئيس الجمهورية بتأجيل الاستشارات النيابية، فإنّ هذا لن يغيّر في موقفنا”.
“يتناحرون ويتناكفون ويتحاصصون، ويزايدون في البطولات الوهمية وتصفية الحسابات على حساب لبنان وشعبه المقهور”، بحسب النائب شامل روكز، الذي قال “يعالج المسؤولون الأزمة بمزيد من التعطيل والتأخير بدلاً من تعجيل التكليف والسير بحكومة تعمل على انقاذ البلد وتخفيف معاناة الشعب، لا بل يزيدون المأساة”.
وماذا سيكون موقف الرئيس الذي كلّف نفسه وجمع أصواتاً تؤهله لتولّي الحكومة الجديدة؟ الحريري بحسب تسريبات مطلعين يدرس إصدار موقف قد تكون ذروته التراجع عن الترشيح للتكليف ما استدعى اتصالات ليلية جرت بشكل حثيث لثنيه عن أي نية للانسحاب.
المناكفات اللّبنانية التي حيّرت العالم تجري إذاً على قدم وساق، ولم يستطع السياسيون في هذه الأيام الدقيقة على حافة الخطر تجاوز خلافاتهم لفترة على الأقل حتى يصار إلى العمل على انتشال اللّبنانيين من بقعة الخراب. وفيما عبّر ديبلوماسيون عن قلقهم واستيائهم من التأجيل تقف فرنسا على جانب الصمت بعد أن تآكلت المهلة الجديدة التي منحها الرئيس ايمانويل ماكرون لتشكيل الحكومة. وبدا لافتاً ما قالته مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا إنّ الصندوق “على أتم استعداد” للعمل مع لبنان من أجل حلّ مشاكله المالية وإعادة هيكلة ديونه، لكنّه بحاجة إلى شريك داخل الحكومة. وأبلغت “سي.إن.إن” استعداد الصندوق لمساعدة لبنان لكنّه بحاجة إلى شريك لبنان قادر على تلقف المساعدة!”. ورأت جورجيفا، خلال الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدولي، أن الانقسامات الحادّة في لبنان تكبّل البلد وتمنع تحقيق تقدّم على صعيد خطة اقتصادية جديدة”.